"انثر الكتب كالحب في كل مكان وانتظر أن يقع عليها القارئ بنفسه. اكتفِ بنصب الفخاخ بعناية في كل مكان، وانتظر أن ينادي الفخ طريدة."
يخطر في ذهن القارئ قبل أن يشرع في قراءة الكتاب أن الكاتب يتحدث عن تكوين مكتبات وشكل ومضمون ما تحتويه كل مكتبة من هؤلاء الكُتّاب السابقين ولكن عندما تقرأه فإن نظرتك التي سبق أن كونتها قبل القراءة بالكتاب ستتغير تماماً، فالكتاب مجموعة من مكتبات الكُتّاب السابقين، أما الكاتب هنا ينقل إلينا نظرة جديدة حيث " كيف ينظر الكُتّاب والفلاسفة والعلماء والسلاطين وعشاق الكتب وأصحاب المال والتجارة إلى المكتبة ".
مكتبة هاوكينغ
الصراع على اليابسة
إذا كانت اليابسة تتضاءل أمام أعداد البشر المهولة فكيف إذن وكل فرد معه مُقتنياته بل وبعضاً منهم يملكون مكتبات . ويتساءل ستيفن هاوكينغ: " ما حاجتنا إلى مكتبات في عالم لن نجد فيه حتى أين نسكن" ، ويرى أن التطور التقني الذي وصل إليه العصر الحديث مَنّ جعل مكتبة بأكملها على قرص مُدمج أو شريحة صغيرة بحجم عُقله الإصبع تفي بالغرض ." سيفي التطور البيولوجي والتقني بحل مؤقت لزحمة الكتب، حيث إن قرصاً مُدمجاً واحداً دون شطط من التخيل ، يستطيع حمل مكتبة بأكملها دون أن يشتد الخناق على فضائنا المشترك ".
مكتبة فالتر بنيامين
المكتبة خط بين نقطتين ..
" كل كتابين تجمعهما خصيصة ما هما قابلان للدخول في مسلسل جمع وتصنيف قد لا يدركه أيّ كان ". فالمكتبة ليست مكان لحفظ الكُتب إنما صورة معبرة عن شخصية وملامح صاحبها ." معنى المكتبة كما وجودها لا ينكشفان إلا بعد وفاة صاحبها .. حين يصير بوسع الآخرين أن ينظروا إليها من الخارج وأن يُحاكموها كفعل انتهى وكأمر قُضيّ " فمع كل نهاية حياة شخص يمتلك مكتبة فإنها بداية لحياة شخص آخر ومكتبة أخرى لتبدأ مكتبة جديدة تُعبر عن ملامح مختلفة عن سابقتها " المكتبة أمر فردي .. ترسم دائماً شخصية جديدة " فنحن نعرف عقول وملامح الأشخاص من مكتباتهم.
مكتبة خوليو كورتثار
ماذا لو تحولنا جميعاً إلى كُتاب .. فمن سيقرأ؟
" اجتياح الكتب للعالم وتتضاعف أعدادها بشكل لا يعرف التوقف ينطوي على مسأله خطيره وهي تضاعف عدد الكُتّاب بشكل مريع وتضاؤل نسبة القراء". ولا أعرف هنا هل هو ناقم على كثرة الكتب أم قلقاً بخصوص قلة أعداد القراء ليس لأنهم لا يقرأون أنما لأنهم أصبحوا كُتّاباً، ورغم خوفه المشين وقلقه الزائد عن الحد نجد أن في الوطن العربي نسبة قليلة من الكُتّاب والكتب وكذلك نسبه قليله من القراء الذين لا يقرأون ولهذا نجد الكاتب يُشجع الأفراد أن يكونوا قُراء، "فمهمة القارئ أصعب وأشق وأخطر من مهنة الكاتب، وضرورة وجود القراء تفوق الحاجة إلى كُتّاب" ، ويبرر عدد الكُتّاب إلى أن ذلك سيُهدر الكثير من الورق وبالتالي قطع مزيد من الأشجار وقلتها لتتحول إلى ورق تجتاح اليابسة. "ستجتاح الكتابة كل شئ . . سيستنزف الكُتّاب كلَّ الورق، ثم يقطعون كلَّ الأشجار ليحولوها إلى ورق، وتتضاعف عدد المطبوعات لتجتاح كل مساحة اليابسة .. كل شئ قابل أن يصير ورق".
مكتبة ابن سينا
ماذا لو كانت المكتبات تفتح أبوابها مرة كل عام ؟
المكتبة سر عميق بل سحر لا يعرفه إلا عشاق الكتب، " نعيش نحن القُراء. وبنا عطش لزيارة مكتبات لم يلجها ( يدخلها ) غيرنا، ربما فعل الدخول وحده دون تصفح أيَّ كتاب له لذة فائقة، أن تُحصي عدد المكتبات التي زرتها لا يقل مُتعة عن إحصاء عدد الكتب التي قرأتها ".
مكتبة "شاعر الصمت" .. ترانسترومر
المكتبة إن لم تكن خشبية ..
المكتبة إن لم تكن خشبية فهي ليست مكتبة . "المكتبة التي لا يقوم هيكلها على أكتاف الخشب، تكاد تكون مكتبة زائفة، مكتبة تُثير الشبهات، مكتبة تصلح لإيداع أرشيف المصطلحات الحكومية وملفات المرضى، لكن لا يمكن أن تحوز شرف إحتضان الكتب النبيلة والتمتع بملمس التسفير الفخم، إنما مكتبة تقطع الأصل المشترك بينهما وبين الكتب والأقلام".
مكتبة "اسم الوردة".. أمبيرتو إيكو
الكتاب القاتل أو التفاحة الفاسدة
يمكن لتفاحة واحدة فاسدة أن تُفسد باقي الصندوق وهكذا الكتاب السيئ أما إنه يقتل كلَّ الكُتب التي قرأها القارئ، حيث يتشتت فكره إذا قرأه أو يُشكل لعنة على الكُتب الأخرى بالمكتبة. يقول إيكو: " لنفترض أن كتاباً واحداً فقط، كتاباً مختلفاً ينطوى على لعنة ما يتم دسّه بين الكتب فيدمر المكتبة بأكملها". فالتواصل بين الكتاب والقاريء ليس عملية ذات اتجاه واحد من الكتاب الذي يحمل الرسالة إلى القارئ المتلقي إنما هي عملية تواصل فعال فالقاريء يتبادل الأدوار مع الكتاب كمرسل من خلال تدويناته وكلماته التي يتركها على حاشية وهوامش الكتاب. "فالواقع أن الكتاب وكلَّ كتاب هو من يقرأ القارئ: يتغذى على لياليه ويعتاش على فكره وأرقه ، ويسعى إلى ما تملكه تماماً بحيث لا ينظر القارئ إلى من سواه ".
مكتبة "متحف البراءة" .. أورهان باموق
القارئ ليس مُقتني أشياء
القارئ ليس جامعاً فقط للكتب إنما هو عاشقاً لها، " القارئ يبني علاقة مع الكتب كأفكار، كمضامين تجترها ( تسترجعها ) ذاكرته بدرجات متفاوتة من الشدة والخفوت، ليس هذا وحسب إنما يبني أيضاً علاقة جسدية بالكُتب". تلك العلاقة هى مايكتبوه على هوامش الكتاب والعلامات التي يضعوه حول الكلمات، "علاقة تحمل آثار قراءتهم وأفكارهم وبصماتهم السرية.. أولئك الذين تتحول القراءة عندهم إلى كتابة وتخطيط على الكتاب إلى خريطة وحدهم من يقدرون على فك طلامسها"
مكتبة "امتداح الخالة" .. ماريو بارغاس يوسا
إعدام الكتب
أن تخرج الكتب من على رفوفها ليس فقط لتنظيفها أو لتصنيفها وإعادة النظر فيها، ففي تلك المكتبة يرى "يوسا " أن خروج الكتب من المكتبة وخاصة غير المُجدية لابد من إعدامها، "إخراج الكتب من المكتبة لكي تحتل موضعها كُتب أخرى أجدر منها لا ينبغي أن يتوقف عند حدود النفي والإخراج.. إنما ينبغي إعدامها تماماً، فمن لا يستطيع أن يحوز شرف البقاء داخل مكتبة ما، لا ينبغي أن تمنحه فرصة البقاء والاستمرار في مكتبات أخري"، وأن الكتاب السيء كمثل المُجرم الذى إذا سُجن لفترة ثم أُطلق صراحة، فما يزيده السجن إلا إجراماً. "المجرم الذي ننفيه نهبه الحرية بطريقة أخرى وبالتالي نمنحه إمكان إزعاج غيرنا.. وعلى المنوال نفسه ما نهديه من كتب صرنا نحتقرها نمنحها إمكان أن تلوث عيون وعقول غيرنا".
مكتبة "الرحالة" .. ابن بطوطة
المكتبة دعامة البيت
إنها فلسفة يعتمد عليها ابن بطوطة في نظرته للمكتبة، "إن بيت لا تسنده مكتبة هو بيت آيل للسقوط". ويرى أن المكتبة ماهي إلا عبارة عن شُجيرة صغيرة إذا انغرست في أرض فإنها تنمو وتفرغ لتُصبح شجرة عملاقة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين، "المكتبة أشبه ما يكون بنباتات الارمول التي يؤخذ في كل مرة منها فسيل ويتم غرسه في أرض أخرى لتعيد دورة حياتها من جديد .. المكتبة لا تنتهي".
مكتبة مناتشكو
مكتبة السُلطة أو المكتبة العطبة
أن تتكون مكتبة فقط لمجرد التقاء مجموعة من الكتب كان مصيرهم السيئ أنهم اجتمعوا على غير هدف مِن جامعهم إنما هم التقاء الصدفة وما رماه الموج على الشاطئ بشكل عشوائي." مكتبة في بيت السُلطة، قوامها الكتب المُهداه، مكتبة ليس فيها أي كتاب أُقتنيّ أو طُلب بالاسم ولا حتى سُرق .. كُتب قادها المسار نفسه، وانتهت إلى المصير نفسه .. هي فقط كصورة جمالية لعين الزوار وإن كانت خاوية من الداخل".
مكتبة "البخلاء" .. الجاحظ
سترى العجب العجاب
لقد كان الجاحظ يكتب ويكتب ثم يكتب بل ويستأجر دكاكين الكتب ليقرأ وينام بداخلها لنفس السبب ولكن العجيب أنه لم يكتب موضوعات تحمل اسمه إنما كان يضع اسم كُتّاب مشهورين في وقته. "كان يفرق كتبه وأقواله على غيره من المشهورين .. فهو لا يجمع مكتبة وإنما يصنعها ويوزعها على غيره "، ما جعلني أتساءل كيف كان يترك فلذة كبده بل روحه التي بين أضلعه أن تنسب لغيره ، فالكتب وما يكتبه المؤلف لهو أشد حباً واعتزازاً به من الأبناء. ولكن يقال أنه أكثر ذكاءاً من غيره للترويج عن الكتب، "كان الرجل على يقين تام بأن عصره يُعلي من قيمة المؤلف والمخترع، لهذا يخترع الأسانيد وينسب كلامه إلى غيره".
اقتباسات
تمرير اليد على رفوف المكتبة أشبه ما يكون بالسياحة بين الأجداث، فهناك كتب تستحق فعلا أن نوقظ موتاها (كاتبها) ليُرافقوك ولتكون بصحبتهم بالحياة، وأخرى نفضّ الغبار عنها هي خسارة وندم.
القراءة فن تدبير الفراغ، أن تقرأ معناه أن تعرف كيف تتعامل مع الفراغ، لا نقرأ لنمتلىء، ولا حتى لنفرغ أنفسنا، وإنما لندبّر العلاقة الجدلية ما بين الفراغ والامتلاء فينا.
من يقرأ يُعيد رسم طريقين على الأقل صوب أسلافه: طريق مكتبتة القرائية الشخصية، يُحددها ملامحها القارىء بانتظامه القرائى، وطريق آخر طويل الذي يُرصف من لبنات كلَّ كُتب العالم.
القُراء هم روح المكتبة، هم من يحولوها من مقبرة إلى كرنفال.
#أنصح_بقراءته
تعليقات
إرسال تعليق