"إن العقل هو الذي يجعلك سليماً أو مريضاً، تعيساً أو سعيداً، غنياً أو فقيراً" ادموند سبنسر
من أين ابدأ ؟
سؤال يطرحه كثير من الأشخاص ممن يُريدون الإقبال على القراءة وخاصة ممن يجدون بعض المبادرات القرائية المُشجعة والدافعة، المُحفزة لقراءة الكُتب والتهام القُراء لكثير من الروايات والكُتيبات والكُتب البسيطه، ويأتي الجواب : " أن ابدأ من الآن " .
حصون واهية
لكن الجواب لا يكون شافياً وافياً، لأنهم يحملون بداخلهم عقبات وعراقيل بنوها في عقولهم و شكلوا منها حصون منيعة والتي منها :
حصن لا أحب القراءة
حصن القراءة ليست من هواياتي
حصن لا يوجد وقت القراءة
حصن لا اقرأ إلا الكتاب الورقي
حصن العلم في الراس مش في الكراس
حصن ولكني اقرأ الصحف
حصن فات قطار القراءة حتى اقرأ ، …الخ
وماهي إلا أوهام واهية عن القراءة يصنعها المرء لنفسه قبل الإقدام على الشيء يُعيق تفكيره عن القيام بالأمر، تماماً كما في قصة مسألتي الرياضيات التي كان يُضرب بهما المثل على استحالة وجود حل لهما، فقد غفا طالب أثناء المُحاضرة وحين استيقظ وكانت المحاضرة قد انتهيت و وجدهما على السبورة، فقام بتدوينها بدفتره - وهو لا يعلم عنهما شيئا - فعاد إلى المنزل وعمل على حلهما وبعد بحث وعناء شاق قام بحل أحدهما وسلمها إلى دكتور المادة الذي تفاجأ من وجود حل لمسألة من المسائل التي كانت مضرب المثل على استحالة حلها.
إن حديث المرء الداخلي مع نفسه والحديث الذي يسمعه من الآخرين هو من يصنع طوقاً حول عقولنا لنصدر من خلاله حُكماً على أن هذا الشىء ممكن أو مستحيل. يقول براين تريسي : " تقبع أكبر عوائقك في داخل معتقداتك و أفكارك وتوجهاتك وأفكارك "
وقد أمضى دكتور مارتن سليجمان في دراسة طويلة استغرقت خمسة وعشرين عاماً بعنوان " العجز المُكتسب بالتعلم " على آلاف الأشخاص وقد وجد أن 80% من الأشخاص يعانون من " العجز المُكتسب بالتعلم " إلى حد ما وأحياناً بدرجة كبيرة، حيث يشعر الأشخاص أنهم غير قادرين على تحقيق أهدافهم، وأن أكثر التعبيرات الشائعة هي عبارة " لا أستطيع" التي يتشكل منها الأوهام النفسية ، وخاصة عند وجود فرصة أو إمكانية لتحقيق هدف جديد. فالقيود الحقيقية ليست ما تُكبل أجسامنا إنما ماتوجد في عقولنا.
أفضل مُنتج في العالم
ويقول الله عز وجل: "ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر" الإسراء 70
وقد كرم الله عز وجل بني آدم وميزهم عن سائر المخلوقات بالعقل، والذي يقول عنه علماء المخ والأعصاب : " عقل الإنسان هو أفضل مُنتج في العالم، لو أعطي الإنسان معلومة كل ثانية واحدة ولمدة 100 ألف سنة لا يستخدم سوى ربع قُدراته العقلية "
وقد جعل الله لكل شىء قوت، فقوت الأبدان الطعام والشراب، وقوت العقول المعرفة والعلم والإطلاع، وإلا ما كان أول أمر يُنزله الله " اقرأ باسم ربك " العلق 1، " اقرأ " أنزله الله عزو جل علي النبيّ الأمي الذي لم يعرف القراءة والكتابة، فلم يكن المقصود فقط أن اقرأ تلك الحروف المسطورة في المخطوطات أو الكُتب إنما اقرأ في كون الله، في التجارب، في الحياة من ألوان وأشكال مختلفة ومتنوعة. القراءة هنا قراءة تحريك العقل، وتشغيل الفكر .. قراءة تدبرية، تفكرية .. قراءة ذات معاني ودلالات مُتعددة ومختلفة ، ليست فقط لرؤية أو زاوية واحدة .. قراءة بمعنى أوسع من فك رموز الكلمات إنما فك طلاسم وظلمات الجهل الذي يعيش فيها العقل.
العقل كالرحى
وإنطلاقاً من قاعدة إن الشىء الذي لا يستخدم يضمر، فإن العقل بدون المعرفة لاشىء ويقول د. عبد الكريم البكار "العقل بدون المعرفة كالرحى بدون الحبوب"، بل إن العقل بدون المعرفة أدهى وأمر من تلك الرحى التي بلا حبوب، فذلك العقل سينشغل بإصدار الأوهام والقرارات الخاطئة والظنون السيئة كما يقول ابن القيم "الجهل شجرة تنمو منها كُلّ الشرور"، والمعرفة والعلم للعقل مصباح يُستضاء به في طريق ظُلمة الجهل والهوى، فمن سار في طريق على غير مصباح لم يأمن أن يقع في بئر بوار فيعطب. فرأس مال الفرد في عقله وبناء فكرة و إمداده بالمعلومات الصحيحة، بالأدلة والبراهين، بالمفردات والمعاني التي تُثمر كلمات طيبة تجري على لسانٍ صادقٍ، وتنبع من قلبٍ مُبصرٍ، ونفسٍ شغوفه مُتطلعة تدفع المرء دائماً نحو التقدم، والقراءة تُكسب العقل قوة و سرعة في التفكير والتخطيط والقدرة على الاختيار الصحيح والمناسب وإتخاذ قرارات صائبة، تماماً كما قال ابن القيم : " إن مبدأ كُل علم نظري واختياري الخواطر والأفكار التي توجب التصورات، فإذا صلُحت التصورات صلُح العمل وفسادة بفسادها".
إذاً فأول خطوات البدء والتقدم هو هدم حصون وقلاع الوهم التي صنعتها في عقلك، وبدلاً من أن تقول "لا أستطيع " قل " أنا أتمتع بفرصة للمحاولة والمحاولة للنجاح مادُمت حياً " ولا تجعل الأوهام الزائفة تؤثر على عقلك، وابدأ مشوار القراءة واضعاً نصب عينك أن "العقول تحتاج إلى الكُتب كما تحتاج السيوف إلى المشحذ (المبرد) كي تحافظ على حدتها ".
تعليقات
إرسال تعليق