الكتاب نافث الحياة في الألفاظ والأفكار، الخالق المُكتشف للحقائق، وصانع الحركة والزمن وعنوان الشخصية، وقوة الروح الموجهة.
الصداقة
الحديث عن الأصدقاء يدفع الإنسان للتفكر، والتأمل ليقف مع ذاته وقفة ليسأل نفسه من هو الصديق؟ وما معنى الصداقة؟ ومن النموذج الذي تُريد أن تتخذه صاحباً لك؟
وهل تريد أن تكون صاحب فلان أم أن يكون فلان صاحبك؟
وشتان بين أن تكون صاحب فلان أو فلان صاحبك لأن صُحبة شيء تكون له المقام الأعلى أو الأفضل، فقد نُسب أصحاب الفيل للفيل لأنه أقوى وأفضل منهم، ونُسب أصحاب الكهف للكهف لأنه آواهم وحماهم من الشر.
هناك أصدقاء العمل، وزملاء المهنة والأصدقاء الذي يأنس المرء بوجودهم والتواجد معهم، وغيرهم من الأصدقاء والأصحاب الذي يلتقى بهم المرء في مختلف نواحي الحياة، وقد آثر بعض القراء والعظماء من العلماء الكُتب على الأصحاب، إذ وجدها لا تنقض عهدها ولا تحقر زمانها.
يقول مرسيل بروست :" الكتاب أفضل من الصديق وأنفع من حديث الحكماء ذلك بأن السكون الذي يُحيط بنا عند القراءة يحفظ علينا تفكيرنا قوياً سليماً بعيداً عن مؤثرات المتحدث، فالسكون إذن ضروري لكل ما يثير فينا الفتنة والتفكير والإعجاب، كما أنت اللوح الفني لا نستطيع إدراك أسراره إذا تأملناها مُنفردين.
ويروي الرياشى وأبو حاتم عن الأصمعى قال :" ألا أدلك على بُستان يكون في كُمك، وروحة تكون في حجرك، وميت ينطق، وأخرس يتكلم، يحدثك إذا شئت، ويُذكرك إذا نسيت، يؤنسك إذا استوحشت، ويكف عنك إذا سئمت؟ قال : نعم. قال : عليك بالكتاب.
كتابى خليلى
فالكتاب هو الجليس الذى لا يُطريك (ينافق)، الصديق الذي لا يغريك(يجعلك مغروراً)، الرفيق الذي لا يملَّك(يمل منك)، المستميح الذي لا يستريتك(يُعاتبك إذا هجرته أو جفوته)، والجار الذي يستبطيك(يُعينك)، والصاحب الذي لا يُريد استخراج ما عندك بالملق، ولا يُعاملك بالمكر، ولا يخدعك بالنفق، ولا يحتال لك بالكذب.ويقول أبو بكر القفال الذي نظم أبياتاً شعرياً في الكتاب:
خليلي كتاباً لا يعرف وصالياً
وإن قلَّ لي مال وولى جماليا
كتابي أبُّ برُ وأم شفيقة
هما هو إذ لا أم ولا أبُّ ليا
كتابي جليسي لا أخاف ملاله
مُحدث صدق لا يخاف ملاليا
مُحدث أخبار القرون التي مضت
فأنى أرى تلك القرون الخواليا
كتابي بحر لا يفيض عطاؤه
يفيض علىَّ المال إن غاض ماليا
كتابي دليل على خير غايةٍ
فمن ثم إدلالي ومنه دلاليا
إذا زغت عن قصد السبيل أقامني
وإن ضل ذهني ردني عنه ضلالياً
الصناعة بقدر الآلة
والكتاب هو النديم الكريم، الخدن الأمين، البريء من الذنوب، السليم من العيوب، الذي إن أدنيته لم يُباعدك، وإن أقصيته لم يعاودك، وإن واصلته حمدته، وإن هجرته أمنته، وإن استنطقته أسمعك، وإن استكفيته أقنعك، وإن استكففته كف، وإن استثقلته خف، وإن دعته لباك، وإن استعفيته أعفاك. لا يعصى لك أمراً، ولا يحملك إصراً، عرضك معه وافر، وهو لسرك غير ناشر، أنيق المنظر، طيب المخبر، جميل المشاهد، كثير المحامد، يملأ العيون قرة، والنفوس مسرة، يضحك الحزين اللهف، ويلهي الغضبان الأسف. يجلب السرور ويشرح الصدور، يطرد الهموم والأحزان وينفي بواعث الأشجان، مجاورته أحسن مجاورة، ومسافرته أحلى مسامرة، مجالسته أنفع مجالسة، ومؤانسته أمتع مؤانسة، فيه مدعاة إلى الطرب ومسلاة من الوصب، وتعله (علاج) لذى الغرام، وتلهيه لقلب المستهام، أنس للمستوحش، ورى للمتعطش، وعمارة للمجالس، وحلية للمؤانس، تلقى القلوب محبتها عليه، وتميل النفوس بكليتها إليه، ليس بينه وبين حبات القلوب حجاب، ولا يغلق بينه وبين سويداتها باب.
ولذلك يقول الجاحظ: "من لم تكن نفقته التي تخرج في الكتب ألذ عنده من إنفاق عُشاق القيان( الجوارى المُغنيات)، المستهترين بالبُنيان، لم يبلغ في العلم مبلغاً رضياً"
فالعلم هو شرف الوجود، ونور الأغوار والنجود، حُلية الأكبر، ونزهة النواظر، من مال إليه نُعِم، من جال به غنم، ومن انقاد له سلم.
فعن معتمر قال: "كتب لي أبى وأنا بالكوفة أن اشتر الكتب واكتب العلم فإن المال يذهب والعلم يبقى"
ولو كان سلعة تُباع لبُذل فيه الأموال وكان بعض القضاة يشترى الكُتب بالدين والقرض، فقيل في ذلك، فقال أفلا اشترى شيئاً بلغ بي هذا المبلغ؟ قيل: فإنك تُكثر، فقال على قدر الصناعة تكون الآلة.
وقد فعلها أبو العلاء الهمداني قال الحافظ ابن رجب: بيعت كُتب ابن الجواليقي في بغداد، فحضرها الحافظ أبو العلاء الهمداني، فنادوا على قطعة منها: ستين دينارً، فاشتراها الحافظ أبو العلاء بستين دينار، والإنظار يوم الخميس إلى يوم الخميس، فخرج الحافظ واستقبل طريق همدان، فوصل فنادى على دار له، فبلغت ستين ديناراً، فقال: بيعوا. قالوا تبلغ أكثر من ذلك قال: بيعوا. فباعوا الدار بستين ديناراً فقبضها، ثم رجع إلى بغداد فدخلها يوم الخميس، فوفى ثمن الكُتب ولم يشعر أحد بحاله إلا بعد مدة.
بستان الكتب
وقيل لبعض العلماء ما مبلغ سرورك بكتبك؟
فأجاب : هي إن خلوت لذتي، وإن اهتممت سلوتي، وإن قُلت إن زهو البستان ونور الجِنان، يجلوان الأبصار ويُمتعان بُحسنهما الألحاظ(الرائي) فإن بستان الكتب يجلو العقل ويُشحذ الذهن ويحيى القلب، ويقوى القريحة، ويعين الطبيعة، ويبعث نتائج العقل، ويستثير دفائن القلوب، ويمتع في الخلة، ويؤنس في الوحشة، ويضحك بنادرة ويسر بغرائبه، يفيد ولا يستفيد، ويعطى ولا يأخذ، وتصل لذته إلى القلب من غير سآمة تدركه ولا مشقة تعرض له.
والعلم يدخل قلب كلّ موفق … من غير بواب ولا استئذان
ويرده المحروم من خذلانه … لا تشقنا اللهم بالحرمان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مراجع
- فن القراءة - عز الدين فراج
- كيف نقرأ كتاباً- زيد الرمانى
- عشاق الكُتب - عبد الرحمن الفرحان
- المشوق إلى القراءة - علي العمران
- لماذا نقرأ(طائفة من االمفكرين) - عادل الغضبان
- تعظيم العلم - صالح بن عبد الله بن حمد العصيمى
- الشذرات فى أخبار الكُتب والكتاب والمكتبات - عبد العال بن سعد الرشيدى
في بداية المقالة هناك الفاظ شركية لاينبغي كتابتها فيرجى تصحيح المقالة مثل الكتاب نافث الحياة و الخالقوصانع الحركة والزمن
ردحذفنقول "نافث الحياة" في الأفكار .. أي أنه يساعد الإنسان على تنمية فكرة وتحسين صياغته وتهذيب لغته بل ويصبح لديه حصيلة لغوية من كثرة الإطلاع والقراءة
حذفو"الخالق المكتشف للحقائق" ... أي الذي يكشف لنا عن الحقائق المستقبلية، فيقدم لنا تاريخ الأمم والشعوب والأفراد وعليه نستنج الحقائق
و" صانع الحركة والزمن " ... أي أن بدون التدوين علي الألواح ماصنعت الحضارات ولضاع تاريخ البلدان