لقد كان القميص في قصة سيدنا يوسف عليه السلام هو الذي يوجه دفة الأحداث نحو الوجهة النهائية لما تؤول إليه الأمور .
براءة و بشارة
كان القميص دليل قوي على البراءة مرتين :
أحدهما : براءة الذئب من دم ابن يعقوب
حين جاء إخوة يُوسُف بدم كذب على قميصه ليقنعوا أباهم إن الذئب أكل أخوهم يُوسُف ولم يترك إلا قميصه
وجاؤوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ (16) قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ ۖ… (17)
وجاؤوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ ۚ
فما كان من أبيهم إلا أن تيقن من إن أمراً سوءاً وقع بابنه، فحين أعطوه القميص لم يجد فيه خرقاً ولا تمزيقاً بل كان سليماً، فكان الدليل الذي أرادوا أن يجعلوه علامة على صدقهم جعله الله دليلاً على كذبهم وافتضاح أمرهم وكيدهم، لتعارض ما قالوه على وضع وسلامة القميص فكيف يأكل الذئب يُوسُف ويفترسه دون أن يُمزق قميصه !
وفي حديث ابن وكيع عن عمرو بن محمد عن أسباط عن السدي قال : ذبحوا جدياً من الغنم ولطخوا القميص بدمه ثم أقبلوا علي أبيهم فقال يعقوب : كان هذا الذئب رحيماً ، كيف أكل لحمه ولم يخرق قميصه يابَنيّ !
ولذلك فقد كان رد سيدنا يعقوب عليه السلام عليهم:
" بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا ۖ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُون"
الآخر : براءة يوسف من اتهام السوء
حين راودت امرأة العزيز سيدنا يوسف فتمنع، فادعت عليه واتهمته باطلاً بفعل السوء
وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ۚ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) ….
وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ ۚ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25) قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي ۚ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26) وَإِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27) فَلَمَّا رَأَىٰ قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ ۖ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَٰذَا ۚ وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ ۖ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (29)
ورغم إن دليل براءته كان واضحاً كالشمس في رابعه النهار إلا أنهم سجنوه
" ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّىٰ حِينٍ " (35
رسالة وبشارة
رسالة ليعقوب عليه السلام من ولده يوسف عليه السلام يُبشره فيها بأنه حياً وقد تحققت رؤياه أصبح ذو سلطان على العالمين، وبُشرى ليعقوب عليه السلام بارتداد بصره إليه، فارتد يعقوب إلى الحالة الأولى التي فيها كان يعيش معه ابنه يوسف أحب الأولاد إلى قلبه، وكان القميص الذي أخذه أخوته منه عنوه حين رموه بالجُب وهو صغير يُمثل مشكلة لدي أبوه يعقوب عليه السلام ليكون هو ذاته القميص الذي يُعطيه يوسف لأخوته بجبر خاطره ليحل الأزمة التي وقت منذ سنوات بالماضي .
" اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَٰذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا …
" وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ ۖ لَوْلَا أَن تُفَنِّدُونِ" (94)
لم يكن القميص الذي أرسله يوسف عليه السلام إلي أبيه مع أخوته ليحمل البشارة فقط إنما كانت رسالة صريحة وعلنية فيها تأكيد من يوسف لأبيه إن هؤلاء الذين جاءوك بقميص كذب في الماضي كانوا جاهلين، فاليوم ابعث لك بقميص صدق فيه رائحتي .
كان القميص إعلان من سيدنا يوسف صريح وصارخ باتهام أخوته بفعلتهم وافتضاح أمرهم ليس أمام أبيهم فقط إنما أمام العالمين، بأن زين لهم الشيطان لهم سوء عملهم وطغت غيرتهم وغطت على قلوبهم ففرطوا في لحمهم ودمهم فقط ليستأثروا بحب أبيهم، ورغم هذا التذكير بما فعلوه فيه بالماضي إلا إنه لم يترك نفسه لعبه في يد الشيطان أو لتسول له نفسه أمراً سوء كما فعل الشيطان بأخوته إنما قال : "لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ" (92)
تعليقات
إرسال تعليق