مافائدة الروابط إذا لم تتآلف الأرواح ؟!
هكذا خُتمت رواية مادونا وكلمات "رائف أفندي" الذي كانت حبيسة صدرة لمدة عشر سنوات عاش فيها كآله، أو كنبات صامت يؤدي ماعليه، يعمل في وظيفة فقط من أجل الآخرين- عائلته- التي ألقي على عاتقه حملها بين ليلة وضحاها. لقد شبَّ رائف أفندي وشاب علي الهروب من الناس .. الناس الذين يفقدونا لحظات الاستمتاع بما حولنا ويتدخلون في حياتنا ، ليس نصحاً لنا إنما لتعجيزنا . لقد كان "رائف أفندي" يبحث عن ذاته بعيداً عن الناس.. يُفتش في النفوس عن إنسان بعينه ، هو اللبنة الأخيرة التي تحيا بها أرواحنا ، البعيد القريب جداً منا، والذي يوقظ بدواخلنا أنوار السعادة والارتياح ، ونشعر بالارتواء الذي لا نظمأ بعده ابداً، والامتلاء بعد فراغ دواخلنا، وما الحياة إلا أن تجد الروح ما يشابهها فتخرج وتُحلق إلي الآخرين وكأنها كانت حبيسة أقفاص مُحكمه الغلق، وقتها تشعر بالعيش الحقيقي .. نتنفس وكأننا لأول مرة يملأ الهواء صدورنا .. ولأول مرة نرى أضواء الكون .. نترك خجلنا وترددنا وتلعثمات ألسنتنا وارتجافه أجسادنا وينطلق طفلنا المحبوس بدواخلنا لتتعانق الأرواح بعضها البعض وتتآلف مكوَّنه رابطة قوية يستحيل حلها، أما الروابط المُعدمة من التآلف فهي هشة، جوفاء من الداخل .. يشعر فيها صاحبها بموت روحة كل لحظه، ووأد طفله الداخلي ألف ألف مرة ، وينعدم الاهتمام والحب بل ويبات عملاً شاقاً مصطنعاً، فقط من أجل الحصول على حفنة من المال وعندها يُصبح وصف الوظيفة الحقيقية لرب العائلة هو "إطعام ثُلة من الغرباء".
الجزء الفقود
أثرت الرواية بشكل كبير في نفسي وبخاصة الترجمة الرائعه ، ورغم بساطتها وسلاستها وقِدم قصتها-الحب بين شاب وفتاة - إلا أن في هذه الرواية التي أبدع كاتبها في استحداث القصة وتقديمها في غلاف جديد للقراء، فلم يكن المقصود التأثير بقصة المحبوبين، إنما لتلامس فينا الجزء المفقود من أرواحنا .. أرواحنا التي تظل حبيسة دواخلنا لعلها أن تُصادف يوماً من تشبهها فتفضي إليها هو مكبوت ومكتوم وما كوَّن طبقات من الجليد في نفوسنا بعضها فوق بعض، لتصبح تلك الروح الذي لاقيناها هي شعاع الشمس الذي أتى أخيراُ ليُذيب هذا الجليد ويُنيرنا من الداخل.
شكراً علي الترجمة الرائعة من المترجم جهاد الأماسي الذي كانت أول ترجمة له .. فكيف بالتراجم المقبلة ؟!
أنصح بها بشدة
اقتباسات
كل استنتاجاتنا وانكساراتنا وغضابتنا كبشر هي من الجوانب الغير متوقعه و الغير مفهومه للحوادث التي تحصل أمامنا.
لكن التحمل والصبر لم يعد بشيء ممكن بالنسبة لي. لن أستطيع أن أكتم كل شىء فى صدرى وحدي. أريد أن أسرَّ لأحد ما بما في نفسي وأخرج ماأحبس في داخلي ..
كُنت أخاف دائماً من الإسراف في السعادة، أملاً أن أخبىء بعضاً منها لأوقات أخرى.
بمجرد أن تجد الروح مايُشابهها، ومن دون حاجة إلي حساباتنا و استشاراتنا تخرج نفسها وتظهر على السطح ولا نبدأ إلا وقتها فقط بالعيش الحقيقى. في ذلك الوقت يترك كل ترددنا وخجلنا جانباً لتتحاضن الأرواح مع بعضها ساحقة كل شىء في طريقها، وهي تجرى إلي من تتعلق به.
ياله من شىء مُرّ، أن نكشف بعدما كنا نظن أن شخصاً ما أعطانا كلّ ماعنده، وأنه لم يُعطنا أيّ شىء في الواقع، وأننا في الوقت الذي كُنا نظن أنه أقرب مايكون إلينا نكتشف بأنها أبعد من كل المسافات.
أن تحيا هو أن تُراقب انسكاب الحياة بمنطق لا يتزعزع وتعرف بأن لحظة ما قد تملأ عُمراً كاملاً الأهم من ذلك أن تؤمن بوجود إنسان ستحكى له.
تعليقات
إرسال تعليق