"التجارب لا تُقرأ في الكُتب، ولكن الكُتب تساعد علي الإنتفاع بالتجارب ". عباس العقاد
في حياتنا نسعي من أجل هدف نُريد تحقيقه أردنا الحصول عليه لكن بدون الهدف وعدم وضوح الرؤية بشكل عام فإننا نتخبط وتُسيطر العشوائية علي فكرنا وحياتنا ولأننا دائما نُريد أن نري النتائج في غمضه عين فإن القارىء حين يُشجع من حوله ويحثهم علي القراءة فإنه يواجه بسؤال -يُغلق باب الكلام- وماذا سأجني من القراءة ؟
الأمر الأول
وقد نسوا أن القراءة هذا الأمر الآلهي الأول في القرآن " اقرأ "، فقد جاء في البخاري عن السيدة عائشة رضي الله عنها تروي عن النبي (ص) : " أن سيدنا جبريل جاء بالحق إلي رسول الله (ص) وهو في غار حراء يتعبد، فدخل علي سيدنا محمد (ص) في صورة بشر فقال له - بدون أي مقدمات - : اقرأ .
قال : ما أنا بقارىء !
قال : فأخذني فغطني (ضمني ، فعصرني ) حتي بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني (تركني ) فقال : اقرأ .
قلت : ما أنا بقارىء !
فأخذني فغطني الثانية حتي بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني فقال : اقرأ .
فقلت : ما أنا بقارئ !
فأخذني فغطني الثالثة ، ثم أرسلني فقال " اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ "
نلاحظ في الآية " اقرأ وربك الأكرم " ، أي اقرأ وضع لنفسك هدفاً مُحدداً أو رؤيه واضحه للقراءة .. فتقرأ لتستثمر في نفسك أو مشروعك وستري ثمرات هذه القراءة لكن لا تستعجل، فالقراءة كالزراعة تحتاج فيها البذرة إلي سقاية ورعاية وسماد واهتمام من جانب صاحبها لتنمو وتثمر وتحصد ثمار مابذرت .. ولا يمكن أبداً أن تغرس بذرة صباحاً لتُصبح شجرة غداً ثم إن " الكرم " سيأتي من الله رب العالمين فوعده الحق بأن النتيجة يقينيه مُحققه لا محالة، وذلك بالإضافه إلي إنها جاءت بصيغه التفضيل " الأكرم "، فالكرم لن يكون عادياً بل مميزاً يُهيئة الله لك بما سعيت وبذلت فيه جُهداُ ووقتاً وقمت برعايته وتنميته "وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ "
فك الشفرة
إنك حين تقرأ .. تنحل أمامك الشفرات المُستغلقة بوجه من لا يقرأ . . تتوصل إلي القانون الكوني العام لتستخلص لنفسك مفاتيحاً تعبر منها إلي النجاح والفلاح " فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا"
أنت حين تقرأ .. لا تقرأ رموزاً أو كلمات .. أنت تقرأ حياة، أكوان، تجارب، سيّر، كُتب وعقول الآخرين.
أنت تقرأ لتظل مُحافظاً علي ذاتك كإنسان وسط التغيرات السريعة والمتلاحقة في عصر السرعة والتكنولوجيا التي يتم تحديثها كل لحظه وبشكل مستمر، فإن توقفت عن تحديث ذاتك ستتفوق عليك الآلآت ، وستُصبح أنت رغم إنك إنساناً مُكرماً علي سائر المخلوقات بعقلك، طرازاً قديماً عفى عليه الزمن، لأنك عطّلت الميزة التي كرمك الله بها
ويقول الشاعر :
اقرأ بنور الله أول حرف ... في الوحي ضج بذكرهن حراء
اقرأ ورب العرش أكرم واهب … فالدين والخلق الكريم لحاء
اقرأ أراجيز الخلود بلوحها … نورا وتحريرا كما الحكماء
اصنع ثقافة ناقد ومحقق … يأتيك من رحم الذكاء ذكاء
اصنع ثقافة عالم ومعلم … فبها تغار الشهب والأنواء
اصنع ثقافتك التي تزهو بها … في عمقها الأنحاء والأرجاء
سيحل وجه الصبح في روضاتنا … وتهز أوراق الفنا أنداء
ونقيم أعراس المنى في مجدنا … وتدق أوتار الغناء ورفاء .
الجزء الثاني للمقال
وماذا سأجني من القراءة 2
تعليقات
إرسال تعليق