القائمة الرئيسية

الصفحات

 
رواية بارتلبي وأصحابه

ماذا تُريدني أن أفعل. لقد هجرتني الأفكار. مارسيل دو شامب 

بارتلبي وأصحابه للأسباني أنركيه بيلا- ماتاس التي نُشرت للمرة لأولي عام 2000 وحصلت علي جائزة أهم رواية معاصرة في اسبانيا ايطاليا وفرنسا علي التوالي جائزة مدينة برشلونة 2001، جائزة بريكس فيرناندو أغيري 2002 ، وجائزة بريكس ميلر ليبر لأهم عمل أجنبي في فرنسا وإيطاليا.

رواية بارتلبي أو وعكة بارتلبي، ذلك الداء الذي يُصيب حيوات العديد من الكُتّاب أو الشعراء بهجر الكتابة، شخصيات أرادت لنفسها الغياب والإندثار، أناس تركوا خلفهم الحياة ولم يعد يبالون بها. 


وعكة بارتلبي 

في الواقع إن وعكة بارتلبي لها ماضٍ بعيد، فهو اليوم وباء الآداب المعاصرة لهذه الطاقة الرافضة الذي يُعرقل وصول بعض الكُتّاب، ألا يكونوا ابداً.

سُميت باسم " بارتلبي" نسبة للموظف المكتبي بارتلبي، شخصية الموظف في قصة هرمان ملفل الذي لم يُرى يقرأ ولا لمرة صحيفة ما،وفي توقعات طويلة، يظل مُحنطاً ناظراً إلي الخارج من خلال النافذة الشاحبة التي تقع بالخلف من الستارة. لم يشرب بيره قط، لا شاياً ولا قهوة مثل الآخرين. لم يمض ابداً إلي أيّ مكان، لأنه يعيش في المكتب، حتي إنه يمضي فيه أيام العُطل، لم يَقُل ابداً من هو، ولا من أين جاء، وإذا ما كان له أقارب في هذا العالم. 

هذه العدوى التي تغدو دَيدن العديد من الكُتّاب الذين لم يستطيعوا الكتّابة، قد يكتبون دون أدنى مُعضة عملاً مُهماً، ثم يبقون، ذات يوم عاجزين أدبياً وإلي الأبد، هذا مع العلم أنهم يمتكلون وعياً أدبياً مُتشدداً.


هناك بشر غامضون لا يمكن أن يكونوا سوى رجال عِظام، لكن لماذا هم كذلك؟ ولا هم أنفسهم يعرفون ذلك. فيكتور هوجو


مُلاحظات بلا نص

بعض الكُتاب الذين يبدأون في مشوار الكتابة عن طريق تدوين الملاحظات أو اليوميات ثم ماتلبس أن تتحول تلك الملاحظات إلي كُتب تُشبع فضول الكاتب إلي نشر كتبه والإعلان عنها ونقل أفكارة إلي الآخرين، وقد كان منهم : تنشتاين نشر كتابين فقط.. وفي أكثر من مناسبة أشار لمُعضلة ترتيب أفكاره. على شاكلة كافكا، كتابات كانت عبارة عن كشاكيل نصوص غير مُكتمله، ملاحظات وخطط لكُتب لم تظهر للنور.

يقول بوبي بارلسن كاتب مدينه تريسي:" أنا اعتقد أنه ليس بالاستطاعة كتابه كتب، لهذا فالأفضل ألا تكتب كُتباً بعد. كل الكُتب تقريباً ليست أكثر من مُلاحظات علي هامش الورقة، مُتضخمه حتى تصل لتُشكل مُجلدات. لهذا لا اكتب سوى هوامش أسفل الصفحة".

 و جوزيف جوبرت الذي كان يُدون يوميات سريه، دون أن يسعي لنشرها. وكانت اليوميات هي الخديعة التي أعمت جوبرت وجعلته يعتقد بامتلائه بها. لكن صفحات يومياته خدمته فقط للتعبير عن تقلباته المُتعددة التي أمضاها ببحثه الخارق عن نبع الكتابة.


هناك حيل مُتعدده، لكنه صحيح أن هُناك كُتاباً عديدين لا يهمهم تبرير إمتناعهم عن الكتابة. هم أولئك الذين لا يتركون خلفهم أيّ أثر، أيّ إنهم يختفون جسدياً، وبالتالي ليس عليهم أن يشرحوا للآخرين سبب هجرهم الكتابة. إنهم يعلنون موتهم بأيديهم، دون أن يموتوا بالضرورة، أن يتبخروا هكذا دون أن يتركوا أيه بصمه وراءهم.


فضاء الكتابة

وهناك خُدعة واهيه يُصدقها الكثير من القراء والكُتاب وهي ألا  تكتب شيئاً بانتظار وصول الإلهام، والتي دائماً ماتنفع. يقول ستاندال :" لو كنت قد تحدثت عن مشروعي بالتأليف، لأخبرني أي شخص واعٍ بأنني إن خصصت ساعتين كل يوم لأنجزته، سواء مع أو بدون إلهام، ولأفادتني هذه الكلمات باستغلال تلك العشرة أعوام الماضية التي فرطت بها كلياً لأنني كنت بانتظار هبوط الإلهام عليّ".

أو أن لا يعرف الكاتب ولماذا يكتب؟ بل ولماذا يسأل هذا السؤال ؟ أليست القراءة أجدى نفعاً من الكتابة؟، ويقول جاميه جل دي بيدما :" ربما وجب عليّ قول شيء أكثر حول هذا، عن عدم الكتابة. أشخاص عديدون يسألوني وأنا اتساءل.. اسأل نفسي لماذا لا أكتب؟ ويمضي بنا السؤال لمحاكمة تفتيش وهي لماذا اكتب؟. لأنه في النهاية الأكثر جدوى هي القراءة".


أنا لا أحد 

الكاتب الذي لا يكتب وحش يدعو للجنون.

وأحياناً يتم هجر الكتابة لأن الواحد ببساطة ينهشه جنون لا خلاص منه، إنه جنون الزهو والشهرة، والتي يقول عنها سنيكا" إن الشهرة مُرعبة لأنها واقعة تحت حكم العديد من الناس".

وعلي العكس من ذلك فهناك بعض الشخصيات التي تهجر الكتابة بإدعاد وهم كاذب أنه شخص غير مهم، مارغريت دوراس كانت تقول:" تاريخ حياتي لا وجود له. لا وجود لمركز. لا وجود لطريق ولا لحظ. هناك فضاء شاسع حيث تم الإعتقاد بوجود أحد ما ولكن الحقيقة أنه لا أحد هنا " أنا لا أحد".

وربما يُصاب المرء بداء بارتلبي بسبب فقد شخص عزيز وحبيب عليه فيهجر الكتابة، مثلما حدث مع خوان رامون خمينث في بورتوريكو، فبعد أن ماتت زوجته زنوبيا، قام بسحق كل الأعمال التي استغرقت سنوات بكل غضب، ولم يعد يهمه أيّ عمل. ومن لحظتها يدخل في صمت أدبي مُطلق، وأنه لن يعود للكتابة.


إنها رواية عن داء بارتلبي اللعين أو الكُتّاب المعروفين الذين هجروا الكتابة، رحلوا معلنين موت أنفسهم بأيديهم، من دون أن بتركوا أي أثر وراءهم. إنه مرض الرفض السلبي الذي يشلّ أفضل العقول. 


اقتباسات 

الأدب يُتيح لنا الإنتشال من الذاكرة كل ذلك الذي تحاول الرؤية المعاصرة تجنبه بحيادية تامة.

الفشل يكشف عن المزيد من الضياء، والقليل من العتمه في حالات من أعلنوا ترك الكتابة.

الكتب السيئة سُم فكري يحطم الروح. 


تقييمي 

٥ نجوم 

الترجمة جداً جداً ممتازة ورائعة، وأشكر المترجم د.عبد الهادي سعدون علي هذه الترجمة الرائعة

أنصح كل قارئ كاتب بقرائتها.



مورا جمال  

أكتوبر ٢٠٢٠

هل اعجبك الموضوع :
author-img
كاتبة ومدونة وباحثة في مجال القراءة والكُتب

تعليقات

6 تعليقات
إرسال تعليق
  1. تذكرت رواية بارتلبي النساخ، التي قرأتها قبل سنتين وكانت من القراءات التي لا تنسى، أعاد لي هذا العنوان، ذكريات تلك الرواية، لا أخفيك يا مورا قرأت عن هذه المتلازمة: (متلازمة بارتلبي)، ولم أكن على علم بتسميتها! قبل ذلك.. وقبل قراءة مراجعتك تحديدًا، ولكن وجدت عند بحثي بأن هذه الحالة موجودة فعلاً ومشاهدة وقد تم تصنيفها كنمط سلوكي، وقد تم تسميتها على غرار الحالة التي أصابت بارتلبي النساخ صاحب الرواية القصيرة.

    يقال بأن هذه المتلازمة تصيب الحيوانات كذلك. فخيول السباق، يصيبها هذا الداء وتتوقف فجأة عن الجري! بلا سابق إنذار، الأمر عجيب ويدعو للحيرة فعلاً! وكذلك ممن يصابون بلعنة هذه الحالة الكُتَّابْ، فتجد أنَّ كاتبًا ما، توقف نتاجه في مرحلة معينه من مسيرته، برغم عمر عطائه القصير، فلا تجد تفسيرًا يبرر هذا التوقف، يُفسر البعض بأن سبب هذا التوقف بأنَّ الكاتب أعطى كُلَّ ما عنده في عمله الأول، ولم يَعُد لديه شيء يقدمه، أي ربما أستنفذ جميع أدواته في ذلك العمل، فكان هذا العمل كبيضة الديك، قام بتأليف كتاب واحد وكسر الدنيا، فوقع في ورطة المقارنة مع هذا العمل، فجعل نفسه تحت ضغط وسطوة ذلك العمل الناجح، فآثر التوقف على حثّ المسير، فتوقفَ بإرادته وربما بغير إرادته!

    يبدو أن الدائرة أوسع وأعمق من مدى ما أدركه عن هذه الحالة، أظن بأنني سأبحث وأقرأ عن هذه النمط السلوكي فقد أثار اهتمامي جدًا! :)
    مراجعتك جميلة يا مورا، سأضع الكتاب في قائمة الأمنيات في قودريدز لقراءته.

    ردحذف
    الردود
    1. أشكرك جداً جداً قطرس
      لأول مرة أعرف أنها أيضاً تصيب الحيوانات أو الخيول .. لكن الملاحظ أن الكائن حين يفقد معنى الحياة بداخلة يتوقف عن كل شىء يشرفنى تواجدك وتعليقك 🙂

      حذف
  2. راااائعه استاذة مورا، ملخص جميل ورائع وممتع حقاً
    أصبح عندي شغف لأقرأ واتعرف على المزيد عن الراوية، كون الكاتب يعيش وحيدا وانعزالي تماما وبعيدا عن العالم الخارجي، اختيارك وانتقائك للرواية جميل ووفيتي الرواية حقها.

    ردحذف
    الردود
    1. أشكرك أستاذ حسين على تعليقك الرائع، ويشرفنى تواجدك على المدونة
      وأنصحك جداً جداً بقراءة هذا الكتاب.

      حذف
  3. السلام عليكم

    بصورة عامة يحمل وجهة نظر صحيحة لكن ربما هم لم يهجروا الكتابة بل فقدوا بريق الالهام النفسي في الاستمرار بهذا المسير الطويل او انهم اصيبوا بوهن الروح من شدة تجلد اقلامهم فآثروا شيخوخة الكتابة علـى شبابها .. دامت أناملكم لهذه الحروف التي رغم انها المفعمة باليأس ولكنها تحمل من ارواحكم شعاع أمل .

    ردحذف
    الردود
    1. وعليكم السلام
      أهلا بك أستاذ علي، نعم إنه الإلهام والشغف الذي يجبر الكاتب على نقش حروفة من نبع فؤادة.
      شكراً جزيلاً لك 👍🙂

      حذف

إرسال تعليق

محتويات المقال